تصاعدت المخاوف من انتشار الفوضى التي قد تؤدي إلى فشل تنظيم الألعاب الأولمبية في البرازيل بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، في وقت تشل فيه الإضرابات معظم القطاعات الحيوية في مدينة ريو دي جانيرو، التي تستعد لاستضافة الحدث الرياضي الدولي الأبرز هذا العام في الشهر المقبل.ريو دي جانيرو – تفاقمت حالة الغضب الشعبي في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية بسبب الأزمات الاقتصادية، في ظل تفشي الإضرابات قبل شهر فقط على انطلاق دورة الألعاب الأولمبية.

وبينما يتأهب المشاركون في الأولمبياد للسفر إلى ريو دي جانيرو، تعج المدينة بمظاهر الاحتجاج في أغلب القطاعات الحيوية، بينها المستشفيات بسبب تأخر صرف رواتب الموظفين أو عدم صرفها على الإطلاق.

وتشكك أجهزة الأمن وفرق الدفاع المدني في إمكانية احتواء أيّ أزمة محتملة أو ضمان الناحية الأمنية في شوارع المدينة، مما يهدد هذا الحدث الرياضي الضخم بالفوضى.

وكان فرانسيسكو دورنيليز، حاكم الولاية قد حذر في وقت سابق خلال الأسبوع الماضي من أن الأولمبياد قد تشهد “فشلا ذريعا” جراء الأزمة المالية التي تعاني منها المدينة بصفة خاصة، والبرازيل بشكل عام، ما يعطي انطباعا بأن البلاد ربما لن تكون مستعدة لاستضافة الأولمبياد.

وقال لصحيفة أو غلوبو البرازيلية “نستطيع استضافة دورة ألعاب مثيرة. ولكن الأولمبياد ستشهد إخفاقا هائلا إذا لم نتخذ البعض من الخطوات”.

وما يعكس حجم الأزمة المالية التي تعاني منها المدينة، حالة فقدان وحدة جراحات القلب في مستشفى بدرو إيرنست التمويل اللازم لمعالجة نحو 12 مريضا في آن واحد، في حين دخل ثلث العاملين في إضراب مفتوح.

وقال خواكين كوتينيو رئيس الوحدة “الآن يمكننا توفير ستة أماكن فحسب”. ورغم أن حكومة ولاية ريو دي جانيرو توشك على الإفلاس، لكن كوتينيو لا يلقي اللوم فقط على الأولمبياد لأن الحكومة الاتحادية حصلت على الكثير من فاتورة الأولمبياد. ويمكن للمستشفى الآن علاج مئتي مريض فقط، بدلا من 600 مريض كما كان معتادا في الماضي، طبقا لتأكيدات العاملين به. كما تنتشر في طرقات المستشفى المظلمة لافتات كتبت عليها كلمة “إضراب”.

900 مليون دولار، قيمة المساعدة الطارئة التي قدمتها الحكومة الاتحادية لسلطات ريو دي جانيرو لحفظ الأمن

ويطالب الموظفون الغاضبون بصرف رواتبهم المتأخرة منذ فترات طويلة، وقد أثاروا حالة من الضجيج والصخب أمام مكتب المدير إيدمار سانتوس الذي عقد اجتماعا لبحث الأزمة قال فيه إنه ليس مسؤولا عن صرف الرواتب بل هو من مشمولات حكومة الولاية.

وقالت بيرسيليانا رودريغيز، إحدى قائدات الإضراب “لقد تأخر صرف الرواتب ثلاثة أشهر؛ كثيرون لا يستطيعون دفع أجرة منازلهم أو فواتير الكهرباء أو فواتير مشترياتهم”، مشيرة إلى أن التمويلات تقسم بين الموظفين ولا يصل نصيب أي منهم إلى راتب شهر.

وأكدت بأن هناك علاقة واضحة للغاية بين هذه الأزمة واستضافة الأولمبياد و”إنهم ينفقون على حدث ضخم كهذا، ويتركون مرضانا للمعاناة الأكيدة”، وهو ما يضاعف من حالة الغضب ضد الأولمبياد.

وحتى الآن، مازالت الاحتجاجات محدودة، ولكن البعض من هؤلاء المضربين في المستشفى يعتقدون في إمكانية حدوث احتجاجات شعبية هائلة قبل حفل افتتاح الأولمبياد بأيام قليلة مثلما حدث قبل انطلاق فعاليات بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل.

وتتوقف الجامعة المجاورة عن العمل فعليا منذ مارس الماضي. وفي الجامعة تنتشر ملصقات كتب عليها “الأولمبياد في ريو.. التعليم العام هو ميداليتنا الذهبية”.

وتضع حكومة ريو دي جانيرو مشروعات الأولمبياد في مقدمة أولوياتها مثل خط المترو باهظ التكلفة في بارا، حسبما تؤكد رودريجيز. وقد تبلغ التكلفة النهائية لخط المترو 2.8 مليار دولار لتكون ربع الميزانية المخصصة للأولمبياد.

ومازال هناك كيلومتر واحد لم يكتمل في خط المترو وقد لا يكون جاهزا في أغسطس المقبل، وهو ما قد يتسبب في فوضى مرورية كبيرة. بينما سيستضيف المتنزه الأولمبي في بارا معظم فعاليات الدورة الأولمبية.

وليس المضربون في المستشفيات والجامعات هم وحدهم الغاضبون، حيث دفعت هذه الأزمة قبل أيام كذلك عددا كبيرا من رجال الأمن إلى رفع يافطة في مطار ريو دي جانيرو احتجاجا على عدم دفع رواتبهم، كتب عليها “أهلا بكم في الجحيم”.

فرانسيسكو دورنيليز: الأولمبياد سيشهد إخفاقا هائلا إذا لم نتخذ عددا من الخطوات العاجلة

وتحت هذا الترحيب الحار الفريد من نوعه، كما وصفه البعض، كتب أيضا “رجال الأمن لم يتسلموا رواتبهم، وأي سائح زائر لمدينة ريو دي جانيرو لن يكون آمنا”.

ويظل الإنفاق على الشرطة مشكلة ضخمة حيث يؤكد دورنيليس أن سلطات الولاية يمكنها فقط سداد قيمة الوقود الذي تستهلكه سيارات الشرطة حتى نهاية الأسبوع. وتبلغ ميزانية تأمين الولاية حوالي 290 مليون دولار شهريا، ولكن هذا المبلغ سيقفز بشكل هائل خلال فترة الأولمبياد.

ومن الواضح أن الأولمبياد تأتي في الوقت غير المناسب بالنسبة لريو دي جانيرو حيث تعاني البرازيل واحدة من أسوأ فترات الكساد الاقتصادي في تاريخها إلى جانب الفساد، وهو ما يعني تراجع حجم العائدات الضريبية بشكل قياسي وغير مسبوق وسط حالة من تفشي الفساد.

وما يزيد الوضع سوءا، تراجع عائدات النفط بشكل هائل وهو أمر ذو أهمية خاصة لدى ريو دي جانيرو التي أعلنت السلطات فيها قبل فترة حالة الطوارئ وطالبت الحكومة بتقديم مساعدات تبلغ 900 مليون دولار، وقد استجابت الحكومة لهذا الطلب.

ورغم هذا، لم يتضح بعد بشكل تام ما إذا كـان هـذا كـافيـا لسـداد كافـة الرواتـب المتـأخرة لعشرات الآلاف مـن الموظفين في القطاع العـام، كما أن جزءا مـن هـذا التمويل سيوجه إلى الأعمـال المتبقية في خط المترو.

ولا تصب هذه الرسائل في صالح المدينة البرازيلية على الإطلاق كما أنها ليست في صالح أنشطة السياحة بالمدينة خاصة مع المخاوف من فيروس زيكا، والتي ساهمت في ابتعاد السائحين عن ري ودي جانيرو.

وتمر البرازيل بأزمة اقتصادية حادة منذ ثلاث سنوات، هي الأسوأ في تاريخها، ووفقا للبنك الدولي فإنها مازالت تتنامى بشكل كبير حيث يتوقع البنك أن ينكمش النمو بمقدار 4 بالمئة هذا العام، بسبب ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت 12 بالمئة.