تونس – أعلن يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية ، الجمعة، تخفيض المنح والامتيازات المخصصة لوزراء حكومته، في خطوة رمزية تهدف إلى تقليص الإنفاق العام في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة.

وترجح الأوسـاط الاقتصـاديـة أن تمهـد هذه الخطـوة المتـوقعة لإعـلان إجـراءات تقشــف “قـاسيـة” كـان الشـاهـد تعهد باتخاذها إذا استمرت مصاعب الاقتصاد التونسي.

وقالت الحكومة في بيان إن “رئيس الوزراء يوسف الشاهد قرر خفض رواتب كل وزرائه بنسبة 30 بالمئة”، مشيرة إلى إنه “تم خفض رواتب 40 وزيرا وكاتب دولة (وزير دولة) بحوالي 500 دولار شهريا”.

ولم تقتصر الخطوة على الرواتب فقط، بل طالت أيضا التخفيض في حصة الوقود المسندة إلى كافة أعضاء الحكومة بنسبة 20 بالمئة.

وأوضحت رئاسة الحكومة أن “التخفيض تم في إطار الاتفاق مع جميع الوزراء وكتاب الدولة في إطار التضامن بين أعضاء حكومة الوحدة الوطنية مع تونس”.

وداد بوشماوي: مشروع الحكومة الاقتصادي يبقى غير فعال دون مقترحات منظمة الأعراف

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول حكومي، لم تذكر اسمه، قوله “إن الخطوة المقبلة قد تكون خفضا في منح كبار المسؤولين الحكوميين في إطار خطط رامية إلى إرساء حوكمة رشيدة بهدف إعطاء رسائل إيجابية للشعب التونسي”.

ووضعـت الحكـومة الجديدة، التي استلمت مهامهـا رسميـا أواخـر الشهـر المـاضي، نصب أعينها هدف إنعاش الاقتصاد المتعثر بعد نحو ست سنوات من الانتقال السياسي في البلاد.

وطالما أكد خبراء اقتصاد تونسيون أن الوقت حان لاتخاذ قرارات “حازمة ومؤلمة” في كل القطاعات دون استثناء لإنقاذ البلاد من شبح الإفلاس المخيم عليها، وقدموا مقترحات لحل جزء من المشاكل المتراكمة، التي تقف حجر عثرة أمام الحكومة.

ومارس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) ضغطا على الحكومة حينما طالب بإعلان “حالة طوارئ اقتصادية واتخاذ إجراءات غير اعتيادية لتجاوز الأزمة الراهنة ودفع عجلة النمو المتوقفة”.

وكشفت وداد بوشماوي، رئيسة الاتحاد، على هامش ندوة حول مستقبل المؤسسات الصغرى والمتوسطة أقيمت الأربعاء الماضي في تونس، عن تقديم المنظمة مشروع قانون لفرض حالة طوارئ اقتصادية للحكومة.

ويتضمن مشروع القانون إجراءات استثنائية عاجلة لا تخلو من الرقابة الصارمة من أجل مكافحة الظواهر التي أضرت كثيرا بالمالية العامة للدولة وفي مقدمتها، التهرب الضريبي والتجارة الموازية والتهريب.

وانتقدت بوشماوي الحكومة، التي طرحت مشروع قانون إنعاش اقتصادي “مخالف له تماما، بل ويتعارض مع المشروع الذي تقدمت به المنظمة”، مؤكدة أن مشروع قانون الحكومة “يبقى غير فعال دون مقترحات منظمة الأعراف”.

وقالت إن “الحكومة عليها اتخاذ إجراءات شجاعة وتطبيق القانون على الجميع والتصدي للتجارة الموازية مع الحفاظ على استقرار الوظائف ودفع المبادرة الخاصة في نفس الوقت”. وطرح خبراء عدة خيارات منها استئناف خصخصة جزء من الشركات الحكومية وبيع البعض منها إن لزم الأمر بعد أن شكلت عبئا على الدولة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية.

توفيق الراجحي: على رئيس الحكومة اتخاذ تدابير اقتصادية صارمة للتحكم في الموازنة العامة

وقال فيصل دربال، الرئيس الشرفي لهيئة الخبراء المحاسبين التونسيين، إن “تغطية العجز الضخم في الموازنة تتطلب حلولا عاجلة بداية بقانون مالية تكميلي، بالإضافة إلى الإسراع في التفويت في الأملاك والشركات المصادرة والتفويت في بعض المؤسسات المملوكة للدولة”.

ويرى دربال أنه إذا اقتضى الأمر يتم سن ضريبة استثنائية أو مساهمة استثنائية على مرابيح الشركات الكبرى أو المداخيل المرتفعة، محذرا من أن العجز في الموازنة الحالية سيصل إلى مستوى قياسي إذا لم تستعجل الحكومة في تنفيذ خططها.

وتوقع الخبير أن يتراوح عجز الموازنة بحلول نهاية هذا العام ما بين 2.5 مليار دينار (1.14 مليار دولار) و2.9 مليار دينار (1.32 مليار دولار).

وفي ظل الوضع الراهن، بات من الصعب اللجوء إلى الاقتراض مجددا لتغطية هذا العجز خاصة وأن نسبة الدين العام في حدود 60 بالمئة بالنسبة إلى الناتج الإجمالي الخام، الذي يقدر بنحو 30 مليار دولار.

كما أن عوائد الضرائب كانت الأسوأ منذ عقود حيث لم تتجاوز عتبة 0.3 بالمئة، فضلا عن تراجع عوائد الأداء على القيمة المضافة بمقارنة سنوية، وفقا للإحصائيات الرسمية للنصف الأول من هذا العام.

ودعا توفيق الراجحي، رئيس مجلس التحاليل الاقتصادية في تونس، إلى حصر عجز الموازنة في حدود 3.9 بالمئة وفق ما حدده قانون المالية لسنة 2016، والمحافظة على مستوى المديونية في حدود 54.8 بالمئة. وأكد أن الموازنة تعاني من العديد من الضغوط ومنها أن النمو الذي كان متوقعا 2.5 بالمئة لم يتجاوز حتى الآن 0.5 بالمئة، إضافة إلى انحدار قيمة الدينار أمام اليورو والدولار بما يساهم في ارتفاع العجز والمديونية.

وتواجه تونس صعوبات مع انخفاض إيرادات السياحة عقب ثلاث هجمات إرهابية استهدفت سائحين أجانب وقوات أمنية العام الماضي، بما أضر بواحد من القطاعات الرئيسية وأهم مصدر للعملة الصعبة