- يواجه صناع السياسة المالية البريطانية معضلة معقدة تتمثل في إيجاد موازنة بين عوامل متناقضة نتيجة تصويت الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي قد يتطلب خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد ومنعه من السقوط في الركود، وبين مخاطر ارتفاع التضخم نتيجة فقدان الجنيه الإسترليني لأكثر من 12 بالمئة من قيمته مقابل العملات العالمية.
- لندن – حذر مارك كارني، محافظ بنك إنكلترا المركزي، من أن تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي أدى إلى غموض الآفاق الاقتصادية على المدى الطويل، وهو ما يرجح احتمال خفض سعر الفائدة البريطانية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وقال كارني إن “الأفق الاقتصادي تدهور وقد يتطلب تخفيف بعض السياسات النقدية خلال الصيف الحالي”، الأمر الذي عزز التوقعات بإمكانية خفض أسعار الفائدة البريطانية. وأكد أن لجنة السياسة المالية في البنك قـد تتخذ بعـض القـرارات الثلاثاء المقبل.
واتجهت الأسهم البريطانية إلى الاستقرار أمس واستعادت خسائرها، بعد أن سددت ثمن صدمة نتائج الاستفتاء، وهي تنتظر الآن التطورات الجديدة في خيارات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد تصاعد الأصوات المطالبة بإيجاد مخرج من تلك الورطة.
ويلخص بقاء الجنيه الإسترليني منخفضا بأكثر من 12 بالمئة عن مستوياته قبل الاستفتاء، حجم الخسائر، لأنه يمثل خسارة لأسعار الأسهم، لا تظهرها المؤشرات، لأن الأسهم مقيمة بالإسترليني.
ويواجه بنك إنكلترا المركزي معضلة معقدة للتوازن بين الحاجة إلى خفض أسعار الفائدة لمنع ركود الاقتصاد، وبين مخاطر ارتفاع التضخم نتيجة تراجع سعر صرف الإسترليني، الذي ينعكس في ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة تكلفة السلع المستورة.
- 12 بالمئة خسائر الجنيه الإسترليني مقابل الدولار منذ إعلان نتائج الاستفتاء البريطاني
-
مارك كارني: الأفق الاقتصادي تدهور وقد يتطلب خفض الفائدة البريطانية لتحفيز الاقتصاد
-
وقال كارني إن “البنك قد يضطر إلى خفض معدل الفائدة كأحد الإجراءات التي ستتخذ لحماية الاقتصاد البريطاني من آثار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي”. وأكد أن بعض التسهيلات النقدية ومن ضمنها شراء الأصول ستكون ضرورية في حدود شهر أغسطس المقبل.
وحاول كارني تهدئة الأجواء في الأسواق بالقول، إن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لإعادة الاستقرار إلى الأسواق في أعقاب التقلبات الحادة بعد إعلان صدمة نتائج الاستفتاء “تعمل بشكل جيد”.
وأكد أن البنك وضع خطة طوارئ “واتخذ كل الخطوات اللازمة للاستعداد لكل الاحتمالات.. ولن نتردد في اتخاذ أي إجراءات إضافية مطلوبة لكي نفي بالتزاماتنا في الوقت الذي تمضي فيه المملكة المتحدة قدما”.
وأضاف أن البنك سيدرس خلال الأسابيع القليلة المقبلة “مجموعة من الإجراءات والسياسات الأخرى لتعزيز السياسة النقدية والاستقرار المالي.. من خلالها دعم النمو والوظائف والأجور خلال فترة من الغموض الشديد”.
كان البنك قد ذكر فور إعلان نتيجة الاستفتاء في 24 يونيو استعداده لضخ أكثر من 250 مليار جنيه إسترليني إضافية “لدعم أداء الأسواق”.
ويذكر أن معدل الفائدة انخفض منذ مارس 2009 إلى أدنى مستوى في تاريخ بريطانيا عند 0.5 بالمئة في حين وصلت قيمة شراء الأصول ضمن برنامج التسهيل الكمي الذي اعتمد عقب الأزمة المالية في 2008 إلى 375 مليار جنيه إسترليني.
وحذر كارني من أن نمو الاقتصاد البريطاني سيتأثر على المدى القصير وتحديدا خلال الصيف الحالي، مشيرا إلى أن حالة عدم اليقين ستظل مرتفعة لبعض الوقت، وهو ما سيؤثر على الأداء الاقتصادي.
وأدى الإعلان عن إمكانية خفض معدل الفائدة إلى ارتفاع مؤشر فوتسي 100 في بورصة لندن واسترجاع كل الخسائر التي سجلها الجمعة الماضي مباشرة بعد إعلان نتائج الاستفتاء المؤيد للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
لكن ذلك الأداء لا يكشف الصورة الكاملة لأن تراجع الإسترليني بنسبة 12 بالمئة، يعني خسارة مماثلة للقيمة الفعلية للمؤشر عند تقييمه بالعملات الرئيسية الأخرى مثل الدولار واليورو.
كما أن مؤشر فوتسي 100 لا يمثل أداء الاقتصاد البريطاني، لأن معظم الشركات المدرجة فيه تمارس معظم نشاطها خارج بريطانيا مثل شركات النفط والتعدين والمصارف الكبرى.
ويعبر مؤشر فوتسي 250 بشكل أكثر دقة عن أداء الشركات البريطانية المحلية، وهو لا يزال منخفضا بنسبة 6.4 بالمئة عن مستويات ما قبل إعلان نتائج الاستفتاء، إضافة إلى نحو 12 بالمئة من الخسائر غير المباشرة نتيجة هبوط الجنيه الإسترليني، الذي لا يزال يتحرك عند 1.33 دولار قرب أدنى مستوياته منذ 31 عاما.
وتخشى الأسواق من أن يؤدي الغموض إلى تراجع أسعار العقارات البريطانية وخاصة في لندن، بسبب عزوف المستثمرين الأجانب، إذا ما تعرضت مكانة حي المال إلى نكسة كبيرة نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويساهم حي المال في لندن بقسط كبير من الناتج المحلي الإجمالي، وقد حذرت الكثير من المصارف من نقل نشاطها إلى البر الأوروبي إذا تأكد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتشير التقديرات إلى أن حي المال قد يفقد 100 ألف وظيفة.
وأيقظ بنك يونايتد أوفرسيز السنغافوري أمـس مخـاوف المصـارف حين أوقـف الخميـس قروض الرهن العقـاري في لنـدن، بعد أن حذرت بنوك آسيوية أخرى من مخاطر استثمارية محتملة بعد صدمة نتائج الاستفتاء.
وقال ثالث أكبر بنك في سنغافورة “سنتوقف مؤقتا عن تلقي طلبات القروض العقارية.. في ظل حالة الضبابية نحن بحاجة إلى التأكد من توخي عملائنا للحذر بشأن استثماراتهم العقارية في لندن”.
ورغم أن بنك يونايتد أوفرسيز، هو أول بنك يقدم على هذه الخطوة، إلا أن التقلب والضبابية منذ إعلان نتيجة الاستفتاء، دفعا العديد من البنوك الآسيوية إلى التحذير من مخاطر محتملة على العملاء في صفقات عقارات لندن