عندما أسس روجر ألتمان، الذي عمل في السابق مصرفيا لدى بنك ليمان براذرز ونائبا لوزير الخزانة الأمريكية، شركة إيفركور في عام 1995، انضمت شركته إلى مجموعة مختارة تتنافس لدخول عالم عمليات الاندماج والاستحواذ التي كانت تهيمن عليها المصارف الكبيرة.
منذ ذلك الحين، تفجّر المشهد الاستشاري إلى نحو 3800 شركة كانت تعمل على صفقات عمليات الاندماج والاستحواذ في الأعوام السبعة الماضية، وقدّمت التفاصيل إلى وكالة ديلوجيك، مراقب الصناعة.
توسعت إمبراطورية ألتمان إلى أكثر من 1300 موظف في كل أنحاء العالم، لكن المئات، إن لم يكن الآلاف، من المصارف المستقلة الأخرى التي توفر المشورة بشأن عمليات الاندماج والاستحواذ، تساقطت على الجوانب خلال ذلك.
الاهتمام بالمصير المتفاوت لهذه “المصارف المتخصصة الصغيرة” – التي تمتد إلى كل شيء من كونها صانعة صفقات كبيرة تحاول بناء نموذج بنك جولدمان ساكس التالي إلى فرق تتألف من رجل واحد يحاول تأجيل موعد تقاعده – يبقى عالياً كما كان في أي وقت مضى.
على الرغم من قدرتها على التحمّل، وتباهيها بسمات الاستقلالية والتحفظ التي لا يمكن أن تنافسها المصارف فيها، إلا أن كثيرين في المصارف الاستثمارية “التقليدية” يرفضون هذه المصارف الصغيرة دون تردد.
وهم يشككون بشكل خاص من المصرف الصغير الذي يطوّر ثقافة النجم حول المؤسِّس: يقول أحد كبار مصرفيي الخدمات الاستثمارية: “عرض الأعمال الوحيد هو الأفراد. على المدى المتوسط لن يكون لديها مستقبل”.
الواقع أكثر تعقيداً بكثير
لا مجال لإنكار صعود شركات مثل إيفركور، وسنترفيو، ومويليس لمؤسسها كين مويليس، إلى مرتبة أكبر 20 شركة تكسب من رسوم عمليات الاندماج والاستحواذ في العالم.
النمو ليس دائماً هو الهدف النهائي. يقول مايكل زاوي، وهو مسؤول تنفيذي سابق في بنك مورجان ستانلي وواحد من أكبر صنّاع الصفقات من حيث العدد في أوروبا، الذي أسس شركة زاوي وشركاه مع شقيقه يول في عام 2013: “السؤال ليس إذا كان بإمكانك النمو، السؤال هو هل تُريد ذلك”.
في الطرف الآخر من الطيف، هناك مصارف صغيرة متخصصة حيث، على حد تعبير سكوت أديلسون، الرئيس المُشارك لشركة هوليهان لوكي: “تقول الزوجة ’لا أريدك أن تتسكع في المنزل كثيراً‘، لذلك يجدون مكتباً صغيراً في مكان ما ويؤسسون شركة”.
نسبة صغيرة فقط من المصارف التي تُقدّم المشورة بشأن الصفقات على الصعيد العالمي تعتمد على المصرفيين و المؤسسين النجوم. من بين طيف المصارف الصغيرة المتخصصة، هناك مواقف مختلفة نحو النجاح والفشل.
بالنسبة للمصارف الصغيرة التي أنشأها كبار مصرفيي الخدمات الاستثمارية، “الفشل” يبدو لعنة. عادةً يكونون قد كسبوا الكثير من المال في السابق، وبالتالي فهم ليسوا بحاجة إلى رواتب كبيرة، والتكاليف تبقى منخفضة من خلال تعويض الموظفين إلى حد كبير عن طريق المكافآت.
ليس هناك مساهمون خارجيون للقلق بشأنهم، والطريقة الوحيدة التي يتم فيها إغلاق المصارف الصغيرة هي إذا اختارت ذلك. يقول مصرفي في أحد هذه المصارف: “أنت بحاجة إلى التركيز على خدمة عملائك بشكل جيد فعلاً. الاقتصاد يأتي في المرتبة الثانية وينبغي أن يتبع”. كذلك لا يستطيع زاوي أن يرى بسهولة الظروف التي يمكن فيها أن “تفشل” شركته، على الرغم من أنه يعترف أن بضعة أعوام من عدم وجود صفقات سيكون “أمراً سيئاً لمعنويات الناس”.
حجم المصارف الصغيرة يعني أنها في بعض الأحيان قد ترفض العملاء. إذا كانت الأعمال بطيئة، فإن الشركات الأصغر لا تملك الرافد الطبيعي من الصفقات الذي يبدأ في أجزاء أخرى من المصارف الاستثمارية الكبيرة ويتدفق إلى فِرق عمليات الاندماج والاستحواذ، لأنها لا تستطيع العمل سوى على أشياء صغيرة في وقت واحد، فإن فشل الصفقات – مثل الأشهر التي قضاها زاوي يعمل فيها على عرض شركة جو سكيل الفاشل في عام 2015 لشراء أعمال مصابيح الديود الباعثة للضوء من فيليبس – مؤلم بالنسبة لها أكثر مما هو للمصارف الكبيرة.
هناك نقطة ضعف أخرى هي عدم اليقين حول ما إذا كانت الشركات تستطيع البقاء فترة أطول من مؤسسيها. مسؤول تنفيذي في إحدى الشركات الصغيرة يقول إن المبتدئين سعداء بالانضمام على أية حال لأنك: “تزيد صافي القيمة الحالية لتجربتك المهنية بمقدار 10 أعوام”. ومن رأيه أن المصرفيين لديه ستتدفق عليهم عروض العمل إذا أغلقت شركته.
يقول مصرفيو المصارف الصغيرة إن أي عيوب موجودة يتم تعويضها إلى حد كبير من خلال ميزتين من أكبر ميزاتها – الاستقلالية والتحفظ. يقول أحد كبار المصرفيين إن العملاء كانوا “أكثر ارتياحاً بكثير من حيث مشاركة المعلومات” على مدى الأعوام القليلة التي عمل فيها في مصرف صغير. ويقول إن السبب في هذا هو أنه يجب مشاركة المعلومات مع أشخاص أكثر بكثير في المصارف الكبيرة. في المصارف الصغيرة، الدائرة أصغر بكثير، لذلك هناك خطر أقل بحدوث تسريب.
حتى الآن، بالنسبة للمصارف المتخصصة الصغيرة رفيعة المستوى في لندن، الأرقام تتجمع بشكل رائع. روبي وارشو، بما لديه من 11 مصرفيا بمن فيهم اثنان من صنّاع الصفقات النجوم، حقق ما يُقارب 37 مليون جنيه كأرباح عن العام الذي انتهى في آذار (مارس) الماضي. زاوي، الذي يوظّف 10 مصرفيين، حقق أرباحا بلغت 8.7 مليون جنيه عن الأشهر الـ 18 التي انتهت في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2015.
معظم الشركات الصغيرة لديها نتائج – وتطلّعات – أكثر تواضعاً. بول كوبر، المصرفي السابق في كازينوف، أسس شركة تُركّز على التكنولوجيا والإعلام، اسمها كلاريتي، في عام 2004.
هو وشركاؤه رفضوا ثقافة “النجوم” في بعض المصارف الصغيرة، ويعتقد الآن أن العلامة التجارية لشركة كلاريتي هي على الأقل جذابة كثيراً بقدر المصرفيين الأفراد الذين أسسوا الشركة. إذ يعمل لديها 15 مصرفيا في لندن وسيدني، و35 مصرفيا آخرين من خلال شراكة في الولايات المتحدة مع مجموعة جوردان إدمستون.
في الطرف الآخر من الطيف توجد المصارف التي كانت تملك طموحات عالمية من اليوم الأول. إديلسون يعتبر شركة هوليهان لوكي من بينها، حيث يصف بدايتها قبل أكثر من 40 عاماً بأنها تتألف من “شخصين وكلب” ورؤية لتُصبح الشركة الاستشارية الأكبر التي تُركّز على الشركات ذات رأس المال المتوسط في العالم. منذ ذلك الحين، تم إدراجها في بورصة نيويورك، وتنوعّت في إعادة الهيكلة وتضخمت لتصبح شركة لديها 1300 موظف، بما في ذلك 450 مصرفيا.
ديتريش بيكر، الشريك المؤسس في شركة بيريلا واينبرج الموجودة منذ 11 عاماً، يقول إنهم صمموا الشركة لتكون “أقل اعتماداً بكثير على عدد قليل من الأشخاص”. وتوزّع الحِمل الآن بين أكثر من 70 شريكا و600 موظف.
معظم المصرفيين في الشركات الصغيرة الذين تحدثت معهم صحيفة فاينانشيال تايمز يقولون إنهم كانوا محظوظين بما فيه الكفاية بعدم مواجهة أي عام سيئ أبداً. تشيرانتان باروا، وهو محلل لدى وكالة بيرنشتاين، نشر أرقاما تُظهر أن الشركات الصغيرة تزدهر في الأوقات الاقتصادية السيئة و “دائماً ما يغلب عليها أن تخسر حصتها في الدورة الصاعدة”. ويعتقد أن الاتجاه سوف يتكرر هذه المرة.
هذه المرة، هناك بالطبع عدد أكبر بكثير من السابق. ديفيد ويلز، الشريك لدى شركة جرينهيل في لندن، يقول إن القول إن السوق الأوروبية أصبحت “مليئة بالمصارف الصغيرة” ولن تكون هناك أعمال مُربحة بما فيه الكفاية، هو قول فيه “تبسيط شديد”. بضعة آلاف من الشركات الأخرى الموجودة هناك تأمل أنه على حق.