تشكل الإصلاحات المحفزة للنمو في المنطقة العربية والهادفة بالأساس لامتصاص غضب الشباب في ظل نقص فرص العمل، محور المؤتمر الاقتصادي الإقليمي الذي تستضيفه مدينة مراكش المغربية على مدار يومين.

ويتفق محللون على أن معالجة النماذج الاقتصادية العربية التي تعاني من اختلالات جوهرية ظهرت في مظاهر احتجاج على السياسات المتبعة، هي مفتاح استقرار النمو واستدامته.

وتأتي محاربة الرشوة وتوفير فرص العمل للشباب وتمكين المرأة اقتصاديا وازدهار القطاع الخاص في صدارة مناقشات المشاركين في المؤتمر.

ويجمع المؤتمر مسؤولين رفيعي المستوى ومسؤولي المؤسسات وممثلين عن الجامعات والشباب ووسائل الإعلام والمنظمات في المنطقة ومناطق أخرى من العالم، من أجل تبادل التجارب والأفكار حول كيفية توفير ملايين فرص عمل من قطاعات جديدة مولدة للنمو.

5.5 ملايين شاب سينضمون سنويا لسوق العمل بالدول العربية بحلول 2023، وفق التقديرات

ويقود صندوق النقد الدولي الجهود من خلال المؤتمر الذي يعقد بعنوان “الازدهار للجميع – تعزيز الوظائف والنمو الشامل في العالم العربي” لمواجهة مشاعر “الإحباط” في بعض بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط والإصلاحات الواجب القيام بها.

وقال جهاد أزعور مدير قسم الشرق الأوسط في صندوق النقد، في تحليل نشر قبل انعقاد المؤتمر إن “تصاعد التوترات الاجتماعية والمظاهرات الاحتجاجية في عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يظهر بوضوح أن الازدهار والإنصاف وضمان مستقبل أفضل أمور لا تزال غير محققة بعد لسكان المنطقة”.

وأوضح أن الإصلاحات تبقى جوهرية لمعالجة المشاكل الأساسية التي تعاني منها العديد من بلدان المنطقة منذ مدة والمتمثلة في ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة وتفشي الرشوة.

ويؤكد الخبراء الذين أعدوا تقرير الصندوق أن نقص فرص العمل وعدم توافر خدمات عامة عالية الجودة وبتكلفة معقولة يؤديان إلى تغذية مشاعر بالإحباط الشديد.

وتعتبر معدلات القوة العاملة في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين الأضعف في العالم، فنسبة البالغين الحاصلين على عمل لا تتعدى واحدا من اثنين، وهو ما يرجع بنسبة كبيرة لضعف مشاركة النساء في الحياة العامة، حسب التقرير.

وقال خبراء الصندوق إنه “ثمة حاجة ماسة إلى زيادة النمو والوظائف في المنطقة، نظرا لأن أكثر من 60 بالمئة من السكان دون سن الثلاثين”.

وتشير التقديرات إلى أن سوق العمل في المنطقة سيشهد انضمام حوالي 5.5 ملايين شاب سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة.

ويذكر أزعور عاملا آخر يعتبر صداعا مزمنا للحكومات ويتمثل في معاناة العديد من دول المنطقة من نموذج تحميل القطاع العام عبء التوظيف، إذ يوفر هذا القطاع حوالي خُمس الوظائف.

جهاد أزعور: تصاعد الاحتقان الاجتماعي يكشف أن الازدهار الاقتصادي مازال بعيدا

وكان الصندوق قد أشاد بالسياسة الاقتصادية للمغرب بعد قرار تحرير أسعار الصرف، لكنه حثها على بذل المزيد من الجهود للحد من بطالة الشباب وتنمية حصة القطاع الخاص من الاقتصاد.

وحتى الآن، تركزت الإصلاحات التي أنجزت في بلدان مثل تونس ومصر والأردن بتمويل من صندوق النقد تحديدا على تقليص عجز الموازنة العامة، لكن تلك التدابير رافقها ارتفاع في الأسعار، وهو ما أثار سخط المواطنين في هذه الدول.

وشهدت تونس مطلع الشهر الجاري مظاهرات كبيرة احتجاجا على الإجراءات التقشفية التي تضمنتها موازنة 2018 وبينها زيادة الضريبة على القيمة المضافة، مع ما يعانيه اقتصاد هذا البلد من جراء الاضطرابات منذ سبع سنوات.

وحاول الصندوق تبرير مسار الإصلاح بتونس. وقال جيري رايس المتحدث باسم الصندوق إن “الصندوق لا يريد إجراءات تقشف في تونس وإنه اقترح برامج لحماية الفقراء من تأثير الإصلاحات الاقتصادية”.

وأضاف ردا على الانتقادات الموجهة إلى الصندوق بالعمل على فرض سياسة تقشفية “إننا ندرك بالتأكيد الإحباط الذي يشعر به الشعب التونسي الطامح للمزيد من المساواة على المستوى الاقتصادي، لكننا مضطرون لحل مشاكل جد عميقة تراكمت منذ أمد بعيد”.

ويتوقف صرف القروض من الصندوق على السياسات المتبعة في الدول. فمقابل الالتزام ببرنامج للإصلاحات حصلت تونس في 2016 على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار موزع على أربع سنوات.

وأطلقت مصر التي يعاني اقتصادها من أزمة منذ 2011، برنامجا للإصلاحات الاقتصادية سنة 2016 بهدف الحصول على قرض تبلغ قيمته 12 مليار دولار. وبناء على ذلك حررت أسعار الصرف.

وقلصت القاهرة على نحو كبير حجم الموازنة المخصصة لدعم أسعار الطاقة والوقود والمواد الاستهلاكية، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم بلغ أوجه في يوليو الماضي بنحو 35 بالمئة.

ويجمع المحللون والتقارير الدولية على أن الاقتصاد الأردني يعاني من مشاكل هيكلية مزمنة وأنه يواصل منذ سنوات ترقيع تلك المشاكل بالاعتماد على المساعدات الدولية دون أن تقدم الحكومة علاجات حاسمة للمشاكل الاقتصادية.

وتتركز مشاكل الأردن في ضعف الإنتاجية وارتفاع عجز الموازنة والدين العام ومستويات الفقر والبطالة، وهو بحاجة ماسة لتعزيز دور الاستثمار وتنويع الاقتصاد.

 

المصدر : جريدة العرب