بكين ( 09 اغسطس 2016 ) – تلقت الأسواق العالمية أمس الكثير من القلق، من خلال البيانات التي أظهرت أن تراجعا جديدا في المبادلات التجارية الصينية في شهر يوليو، بسبب الضعف المتواصل في الطلب الداخلي الصيني وتباطؤ النشاط الصناعي، لتتفاقم الشكوك المحيطة بمسار الاقتصاد العالمي.
وسجلت صادرات العملاق الصيني، الذي أصبح محركا أساسيا للنشاط التجاري والصناعي في العالم، تدهورا للشهر الرابع على التوالي، حين تراجعت في يوليو بنسبة كبيرة بلغت نحو 4.4 بالمئة بمقارنة سنوية لتصل قيمة الصادرات إلى 184.7 مليار دولار وفق أرقام إدارة الجمارك.
أما واردات القوة الاقتصادية الثانية في العالم، فتراجعت للشهر الحادي والعشرين على التوالي وبنسبة بلغت في يوليو نحو 12.5 بالمئة بمقارنة سنوية لتصل إلى 132.4 مليار دولار.
وجاءت هذه الأرقام أسوأ من التوقعات بعدما تحدث محللون استطلعت آراءهم وكالة بلومبيرغ عن تراجع أقل حدة للصادرات لا يزيد على 3.5 بالمئة وللواردات بنسبة 7 بالمئة.
وتزايد اعتماد الاقتصاد العالمي في العقدين الماضيين على المحرك الصيني لتدوير عجلة الاقتصاد العالمي، الذي أصبح مدمنا على وتيرة النمو الاقتصادي الجامح في الصين. ويهيمن الغموض على آفاق الاقتصاد العالمي منذ نحو عامين، بسبب تباطؤ نسبي في معدلات نمو الاقتصاد الصيني من 7 بالمئة إلى نحو 6.7 بالمئة حاليا، وهي نسبة لا تزال كبيرة جـدا مقـارنة ببقيـة الاقتصـادات الكبـرى.واتسعت التأثيرات المتبادلة بين الاقتصادات العالمية في العقدين الأخيرن لتصبح بمثابة “أواني مستطرقة” تنتقل التداعيات في ما بينها مباشرة، بعد أن كانت معزولة إلى حد كبير ولا تتأثر ببعضها إلا بنسبة محدودة.
وتستمد معظم الاقتصادات العالمية الكبرى حاليا عناصر النمو من المحرك الجبار للاقتصاد الصيني، بسبب الاستثمارات المتبادلة ودور الاقتصاد الصيني في حركة التبادل التجاري العالمي.
4.4 بالمئة نسبة تراجع الصادرات في يونيو في حين تراجعت الواردات بنسبة 12.5 بالمئة
وتتحرك معدلات النمو في كتل اقتصادية كبرى مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وبريطانيا قرب الصفر، ويمكن لتباطؤ الاقتصاد الصيني أن يحرمها من الكثير من عوامل النمو ويدفعها إلى الانكماش.
كما يمكن أن يؤدي تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى تقليص النمو في الولايات المتحدة، ليتوالى تساقط أحجار الدومينو ويصل إلى عموم الاقتصاد العالمي.
وتبدو مشكلة تباطؤ الاقتصاد الصيني، معضلة عالمية، أكثر من كونها صينية، خاصة أن سلطات بكين تسعى عمدا إلى تهدئة النمو لمعالجة طاقات الإنتاج الفائضة ومنع ظهور فقاعة مالية، يمكن أن تنفجر في المستقبل وتؤدي إلى عواقب وخيمة.
وتسعى بكين إلى تغيير نمط الاقتصاد من خلال تشجيع السكان على الاستهلاك ليصبح محركا للنمو الاقتصادي بدل الاعتماد على التصدير، لكنها تجد صعوبة في تغيير ثقافة الصينيين التي تميل إلى الادخار.
ومن الملفت أن الارقام الرسمية باليوان تشير إلى زيادة الصادرات بنسبة 2.9 بالمئة في يوليو، لكن ذلك لا يشير إلى تحسن الوضع الاقتصادي بل هو ناجم عن الخفض الكبير في سعر اليوان في مقابل الدولار.
|
ويكشف التراجع المتواصل في الصادرات أن الشركات الصينية لم تتمكن من الاستفادة من خفض قيمة اليوان في زيادة جاذبية منتجاتها في الخارج، كما لم ينعكس انخفاض قيمة اليوان في زيادة إقبال الصينيين على المنتجات المستورة.
وبقيت مبادلات الصين مع الاتحاد الأوروبي، شريكها التجاري الأول، بالمستوى ذاته خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة، فيما تراجعت مبادلاتها مع الولايات المتحدة بنسبة 4.8 بالمئة ومع دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) بنسبة 2.2 بالمئة.
ونسبت رويترز إلى الخبير في كابيتال إيكونوميكس جوليان إيفانز بريتشارد قوله إن “تكثيف النشاط التصنيعي لدى شركاء تجاريين أساسيين للصين لم يؤد حتى الآن إلى دعم نمو الصادرات… في وقت تراجعت فيه واردات الصين رغم الهبوط المتواصل في أسعار السلع العالمية”.
وكانت الجمارك أشارت الشهر الماضي في تناولها لعوامل تراجع الصادرات إلى الكلفة المتزايدة لليد العاملة الصينية، وتراجع الطلبيات نتيجة نقل مراكز الصناعات إلى الخارج، والغموض المحيط بالوضع الاقتصادي للدول المتطورة.
وأكد لويس لام من بنك أي.أن.زد، أن “النمو الضعيف المتوقع في أوروبا واليابان في النصف الثاني من السنة سيستمر على الأرجح في إضعاف الصادرات الصينية” مشيرا من جهة أخرى إلى أن الطلب الأوروبي تأثر بقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقال يانغ تشاو المحلل في مؤسسة نومورا إن “الانهيار المفاجئ للواردات الصينية في يوليو يوحي بأن الاستثمارات الداخلية تراجعت بشدة”.
وتسعى الحكومة جاهدة لإعادة التوازن إلى نموذج النمو الاقتصادي الصيني لتركيزه على الخدمات والتكنولوجيا الجديدة والاستهلاك الداخلي، غير أن عملية الانتقال هذه تبدو أليمة.
ورغم ذلك ارتفع الفائض التجاري الصيني في يوليو ليصل إلى 52.3 مليار دولار، مقابل 48.1 مليار دولار الشهر السابق. ويرى خبراء نومورا أن هذا الفائض، مقترنا بتراجع احتياطي الصين من العملات الاجنبية، يشير إلى استمرار حركة هروب الرساميل بشكل هائل خارج الصين. ويبقى الوضع الاقتصادي الصيني هشا بصورة إجمالية، إذ لا تزال الصناعة تعاني من فائض هائل في القدرات الإنتاجية، ترتفع فيه المديونية العامة والخاصة وتراوح الإصلاحات الهيكلية الموعودة في مكانها.